ماذا سأقول له ؟
- mhappy01
- Nov 27, 2016
- 6 min read

كانت الساعة العاشرة صباحا عندما مررت قرب مقهى لم اجلس فيه من قبل، قلت في نفسي لما لا اشرب قهوة هنا ما دام عندي وقت، و يبدو اني لا اعرف فيه احد..
دخلت اذن و طلبت قهوة ، جلست انتظر و اهيئ سفينة الابحار في محيط افكاري .. اذ هو صديق لي قديم داخل على المقهى، رآني فابتسم ثم جاء ليحيني، سلمت عليه و دعوته ان يشاركني، فما كان منه الا قبل دعوتي بسرور... تبادلنا السؤال عن احوالنا فكانت الاجابة الجاهزة نفسها التي نكررها على مسامع غيرنا مهما اختلفت احوالنا، كلها لباس صافا الحمد للله ...بالرغم ما نخفيه من احزان و قلق و هموم ..لكننا صافا لاباس سالني لماذا اجلس وحدي في المقهى، فشعرت و كان سؤاله غريب او انني غريب، أجبته انني اجد في الخلوة سلوة، اجالس بها نفسي و اتلهى بافكاري . ضحك ثم قال : هل اصبحت فيلسوف ام مجنون . ضحكت قليلا ثم قلت : لا هاذا و لا ذاك.. اعتزلت فقط الرياء و النفاق فوجدت نفسي وحيدا . قال صديقي : اما انا فلا استطيع الجلوس وحيدا لاني ساصاب بالجنون اذا جلست اكثر من ساعة وحدي . قلت : ذاك هو الجنون بعينه..ان تضيع ساعات في التحدث عن شراء و بيع السيارات و عن الريال مدريد مع البرصا ... سكتنا لوهلة كما لو انني صدمته أو آذيته بكلامي او ربما ادرك ما قلته.. لكنه لم يبدي اي رأي . رشفنا بعض الرشفات من القهوى التي اتت ولم اشعر متى جاءت و كيف وضعت السكرفيها بغير وعي، لكن لحسن الحظ كانت القهوة جيدة . كسر صديقي السكون بسؤاله : ما الذي كنت تفكر فيه قبل ان آتي ؟ تبسمت ثم قلت : هل تعلم ان جسم الانسان يدخل في تركيبته 90٪ من الماء ؟ قال : انه كثير من الماء ! قلت: بلا .. وهل تعلم ان 90٪ من تركيبة الانسان هي مشاعر و احاسيس . وهل تعلم مدى دور الاحاسيس في تحديد مسار حياتنا ؟ ابدى صديقي توترا غير طبيعي و تغير لون وجهه الى الاحمرار و كان شيئا ما اصابه، ثم قال : لقد اصبت الهدف ! استغربت امره و شعرت بحيرة في ما قلت، كيف لي ان اصيب الهدف و انا لم ابدأ بعد في توضيح دور المشاعر في التأثير على حياة الإنسان .. شككت في امره ثم سالت نفسي هل هو في كامل وعيه..ا هو على حق انني اصبحت مجنون ؟ قال : ذاك هو الذي يؤرقني و يسلب سعادتي، ذلك هو الذي يعذبني.. فماذا اقول له ؟ قلت : من هو ؟ قال : لقد كَبُر و لم يعد طفلا...انا اعرفه و هو لا يعرفني ...ألتقيه كل يوم و كأنه يلاحقني . تحيرت من امره ثم سالته من جديد : من هو ؟ قال : لقد قتلت أبواه !!! هرع في البكاء و هرعت اتلمس جسدي الذي لم اعد احس به، احس فقط بتنملات على فروة رأسي و ضربات قلبي الذي كاد يخرج من صدري مع أصوات أنفاسب العالية التي كادت ان تلتهم كل هواء المقهى . لم استطع ان اسأله من جديد لانني لم أعد أستطيع تحمل اي صدمة اخرى، توقفت عن التفكير و محاولة استعاب الموقف .. بدات انظر اليه و هو يمسح دموعه و يهدا من روعه . بعد ثوان عاد الى الكلام ليقول : لقد قتلت والديه في حادث مرور . حادث مرور ؟ اووووف تنفست صعداء و ابتسمت له ... ثم قلت : قدّر الله ما شاء فعل ! بكل عفوية تغير لونه من جديد فصرخ في وجهي وقال ماذا اقول له ؟ قلت: من ؟ قال : رب العالمين ! شعرت بالاحراج الكبير و كاني أغبى الأغبياء كأني ارمي الزيت في النار، فكلما حاولت تهدئته كلما زاد هيجانه ، فقررت الصمت و عدم الكلام . سكتنا بعض الدقائق نحدث فيها انفسنا خفية و نرتشف فيها القليل من القهوة التي تغير طعمها و كانها بطعم الديزل.. الى ان كسر الصمت من جديد بقوله : ثانية او جزء من الثانية كان كفيل بقطف روحهما ... غفوت و انا اقود السيارة في اواخر الكيلومترات المتبقية للوصول الى تلمسان . قضيت يوما كاملا و انا اجري وراء تجارتي و اشغالي في العاصمة، لقد كان يوما مرهقا، لم اجد حتى الوقت لكي آكل وجبة كاملة... قضيت النهار في القيادة ..القهوة... و السيجارة.. الى اخر الليل . و انا عائد غمرني شعور غريب.. فجأة و انا اقود احسست و كان هناك انقطاع للتيار الكهربائي في راسي فلم اعد ارى و لا اسمع شيء... عاد التيار من جديد مع ضجيج بصوت عالي ...انه صوت بوق السيارة فتحت عيناي جيدا لأرى مصدر الضجيج لكن الضوء كان شديد و لم اعد ارى اين انا و ماذا يجب ان افعل ... بووووم ....كان اخر صوت سمعته قبل ما ان ينطفئ الضوء من جديد في عقلي .. صحوت لاجد نفسي في مصلحة الانعاش بعد غيبوبة دامت اسبوع .. هل هذا هو انا ؟ اول سؤال طرحته على نفسي، هل هذا هو انا الذي اعرفه ام انا هو شخص اخر ؟ هل الذي حدث هو حقيقة ؟... كنت انا ؟ ام انه فقط حلم ؟ . تحطم الحلم و تحطمت كل الامال عندما اخبروني انني تسببت في قتل والدين لطفل يبلغ 3 سنوات الذي نجى باعجوبة . نعم ما تشعر به الان هو ذاك ما شعرت به ايضا، لقد تغير الجو فجاة في المقهى فاصبح باردا و كاننا نجلس على الجليد . عم الصمت من الجديد لكن هذه المرة في كامل المقهى و كأن الجميع يتربص بنا . لم اجد ولا كلمة ارفع بها معنوياتي اولا قبل اشاركه بها . لقد تحطم الفؤاد . خرجت كلمة من فمي تقول له استغفر الله فهو غفور رحيم . نعم تلك احسن ما قلته من تلقاء نفسي و كان احد انطقني، انها كلمة الحق، قال تعالى : { نَبِّىءْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا ٱلْغَفُورُ ٱلرَّحِيمُ} .
...... اخي العزيز فلتعلم انك في كل مرة تركب فيها السيارة فانت في أحد الاتجاهين اما ظالما او مظلوما و كلتا الاتجاهين لا يسرفيها احد . السياقة المتهورة التي تعتبر سلوك دخيل على مجتمعنا، هذا التهور و عدم المسؤولية له مضار كبيرة على مستوى المعنوي قبل المادي مما يسبب بتوتر و قلق كضريبة زيادة يدفعها المواطن بسبب عدم وعي لبعض الناس، و المثير للاهتمام ان هذا السلوك اصبح عادة و ثقافة او ما يسما القفازة، ان لم تكن قافز سوف تبقى في الزحام و تبقى الاخير، و كانهم يتسابقون الى الجنة، جهل بكل ما تعنيه الكلمة، جهل يسبب في حصد ارواح الابرياء يوميا او يسمى ارهاب الطرقات، سامحوني بتصحيح المعنى الا و هم الارهاب و لكن لا يشعرون .
لا ابالي لانه هناك تامين و هناك اموال لتصليح السيارة اذن ما المانع ؟
اقول له انه كلكم راع و كلكم مسؤول عن رعيته انت مسؤول و محاسب عن اعمالك، بتهورك انت تسبب في اذى نفسك و اذى الاخرين و الطريق ليس بملك احد بل هو مشاركة بيننا فما يحق لك يحق لي، و بدون وعي و مسؤولية سوف تتطور الامور الى ما هو اسوا .هناك من تسبب في حوادث حصدت ارواح او تسببت في اعاقة دائمة منهم من هم في زهرة العمر، عندما تسمع لكلامهم سوف تفهم مدى فداحة التجربة،
لا احد منه كان يتوقع فداحة الحادث و فضاعته قبل وقوعه لم يكن يتوقع ذللك اليوم انه سيقتل انسان اخر برئ، او انه سيتسبب في قتل عائلته او سيتحول حفل الزفاف الى ماتم،
اسئل نفسك عند بداية كل يوم لما تقوم بتدوير مفتاح المحرك، هل ساقتل شخص ما اليوم هل ساعود الى بيتي في المساء سالما غانما ؟
الجواب عليه كفيل بان يعطيك نظرة عن اهمية الحياة و يحدد مسؤوليتك امام مجتمعك . صدقني انها ثانية واحدة تفصلك بين الحياة و الموت، انها ثانية واحدة حصدت ارواح عائلات باكملها، غفوة دامت ثانية كانت كفيلة بان تنحرف السيارة و تدمر حياة و احلام اخرين ، ثانية كفيلة بان تسبب عاهات و كدمات فرضت على ذلك الطفل ان يتقبلها و يعيش بها،
فكيف بالله عليك تفسر له انك لم ترد حدوث ما كان من المفروض ان لا يحدث لو انني توقفت و اخدت استراحة صغير، لو انني لم انظر الى هاتفي لاقرا رسالة جديدة من واتس اب او الاجابة عن المكالمة،
سامحني يا صغيري اني يتمتك بقتل امك و ابيك و انت مازلت رضيع، سامحني لانك تدفع ضريبة غبائي و استهتاري .
لم نأمن للاسف حتى من تهور سائقي الحافلات , الذي من الضروري ان يتحصلوا على اعلى مستوى من التدريب و الاحترافية في سياقة الحافلات، حياة العشرات من الناس في يد سائق طائش، يجري وراء ملئ اكبر عدد من الركاب باي ثمن كان،
سائق لا يعي خطر ما يقوم به و لا يابه و لا يبالي ما يترتب عليه من مسؤولية .
بالاضافة الى التزمير عند رؤية كل صديق و عند كل سيارة تتوقف و عند كل شرطي و عند كل مدرسة .....و و
في كل ثانية يضغط على زمار الباخرة، ليرهب به كل من حوله من انسان و حيوان ....ضجيج لا يحتمل ..هرج و تهريج .
ماذا سأقول له ؟
لم اكن اعرف ان ما حدث كان ليحدث ... قدر الله ما شاء فعل !
هل الله قدر لك ان تقود بعجلة الى درجة انك تفقد فيها التحكم بالسيارة
تصعد الى الرصيف و تسبب في اعاقة طفل في ربيع عمره متوجه الى الدنيا كله حب و امل
كنتم خير امة اخرجت للناس، ماذا ستقول لربك ؟
هل ستحمله مسؤولية اعمال ؟
هل ستقول له انها كانت قدرتك و مشيئتك ؟
كفانا غباء و استعلاء و احتقار لارواح الناس، لا تندم بعدما لا ينفع ندم، السياقة ليست لعب و ليست متعة...
اتمنى ان الرسالة قد وصلت...الله يبارك فيكم و يحميكم اجمعين .
Commenti